أمي ... تلك الكلمة الرقيقة الجميلة .. التي تأنس إليها قلوبنا وترتاح في
ظلها أرواحنا .. ونحس معها بالأمن والأمان , والسكينة والاطمئنان .. حروفنا
الأولى .. كلماتنا التي بدأنا بها رحلتنا في هذه الحياة .
دوحتنا
الوارفة التي نفيء إلى ظلها حين يلفحنا هجير الشمس ... نهرنا الفياض الذي
نشرب منه الحنان والحب .. نبعنا الثر الذي يسقينا العطاء والصدق ... أنس
وحدتنا ... صفاء ضحكتنا .. مصدر سعادتنا .
أمي .. قد مر على رحيلك عشر
سنوات وكأنك لم تودعينا إلا بالأمس .. ما زالت كلماتك في آذاننا .. ودعواتك
تطوف أركان البيت وتسكن في قلوبنا .. ما زالت يدك الحنون تمتد لتمسح
دموعنا .. مازال حضنك الدافئ يضمنا ..ووصاياك الطيبة تنير لنا دربنا .
أمي
تذكرتك .. فتذكرت كل المعاني الطيبة .. تذكرت طفولتي حينما كنت أحبو
وأتعثر في ثوبي فتركضين نحوي في فرح وتأخذينني بين أحضانك .. تذكرتك وأنت
تخرجين اللقمة من فمك وتضعينها في فمي .. وتذكرت فرحتك حينما دخلت المدرسة
ودعواتك لي كل صباح .. وفرحتك يوم تخرجي من الجامعة .. وفرحتك الغامرة يوم
زواجي .. وفرحتك الكبرى يوم أن رزقت بالولد .. كنا نكبر أمامك ويكبر معنا
حبك .. وعانيت من المرض كثيراً لكن لم نرك إلا شاكرة صابرة .. أذكر وأنت في
مرضك الأخير وقد أمسكت بورقة لأدفع بها الذباب عنك .. فتقولين : دفع الله
عنك الهم والحزن يا بني وحبب فيك خلقه حتى الحصى في أرضه .. كم كانت دعوات
خالصة صادقة من القلب.
ويوم رحلت .. وكنت بجوارك وأنت تكلمين أناساً لا
نراهم .. وتقولين لهم : هيا خذوني .. فأسألك إلى أين يا أمي ؟ فتقولين إلى
رسول الله صلى الله عليه وسلم .. يومها تساقطت على خدي دمعات لم تجف إلى
الآن .. وعاينت ساعتها كل معاني اليتم التي كنت أسمع وأقرأ عنها .. وأحسست
أن الحياة صارت خواءً من حولي .. وأن الدنيا لن تبتسم لي مرة ثانية .. رحمة
الله عليك وعفوه ومغفرته ..اللهم إنها كانت دائماً تغفر لنا أخطاءنا فاغفر
لها .. وكانت دائما تعفو عن هفواتنا فاعف عنها .. وكانت دائما تسامحنا
فسامحها .. وكانت دائما تعطف علينا فاعطف عليها وارحمها.. فأنت أهل لأن
تتجاوز وأنت أهل لأن تعفو وترحم .
إن مكانة الأم لا تعدلها مكانة ,
وفضلها لا يدانيه فضل .. وبرها واجب .. وتذكرها بر وصلة .. والدعاء الدائم
لها من صفات الأنبياء والمرسلين , ومن شمائل المؤمنين الصالحين , قال تعالى
على لسان عيسى بن مريم عليه السلام :" قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ
آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا (30) وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا
أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ
حَيًّا (31) وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا
(32) وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ
أُبْعَثُ حَيًّا (33) ذلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي
فِيهِ يَمْتَرُونَ (34) سورة مريم.
لذا فقد خصها الله تعالى بالتكريم
في قرآنه الكريم وأكد على فضلها ,وخصه بالذكر والتعظيم , قال سبحانه : "
وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى
وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ
إِلَيَّ الْمَصِيرُ (14) سورة لقمان , وقال : " وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ
بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا
وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ
وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ
نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ
صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ
إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (15) سورة الأحقاف .
بل فهو
سبحانه يفرح لفرحها ويحزن لحزنها , قال سبحانه في قصة أم موسى : "
فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ
وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا
يَعْلَمُونَ (13) سورة القصص.
كما أكد نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم
على تلك المكانة وهذه المنزلة , فقدم برها ورفع فضلها , عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ ، قَالَ:جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ،
فَقَالَ جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، فَقَالَ :
يَا رَسُولَ اللهِ ، مَنْ أَحَقُّ بِحُسْنِ صَحَابَتِي ؟ قَالَ : أُمُّكَ ،
قَالَ : ثُمَّ مَنْ ؟ قَالَ : أُمُّكَ ، قَالَ : ثُمَّ مَنْ ؟ قَالَ :
أُمُّكَ ، قَالَ : ثُمَّ مَنْ ؟ قَالَ : ثُمَّ أَبُوكَ. أخرجه أحمد"
2/327(8326) و"البُخاري" 5971 و"مسلم" 6592 .
عن بَهْزَ بْنِ حَكِيمِ
بْنِ مُعَاوِيَةَ،عَنْ أَبِيهِ،عَنْ جَدِّهِ،قَالَ:قُلْتُ:يَا رَسُولَ
اللهِ مَنْ أَبَرُّ ؟ قَالَ:أُمَّكَ.قُلْتُ:ثُمَّ مَنْ ؟ قَالَ:ثُمَّ
أُمَّكَ،قَالَ:قُلْتُ:يَا رَسُولَ اللهِ،ثُمَّ مَنْ ؟
قَالَ:أُمَّكَ،قَالَ:قُلْتُ:ثُمَّ مَنْ ؟ قَالَ:ثُمَّ أَبَاكَ،ثُمَّ
الأَقْرَبَ فَالأَقْرَبَ." مسند أحمد (6 / 728)(20028) 20281- صحيح.
قال
الحافظ ابن حجر :قال ابن بطال : مقتضاه أن يكون للأم ثلاثة أمثال ما للأب
من البر ، قال : وكان ذلك لصعوبة الحمل ثم الوضع ثم الرضاع فهذه تنفرد بها
الأم وتشقى بها ثم تشارك الأب في التربية ، وقد وقعت الإشارة إلى ذلك في
قوله تعالى { ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهناً على وهنٍ وفصاله في
عامين } ، فسوَّى بينهما في الوصاية ، وخص الأم بالأمور الثلاثة ، قال
القرطبي : المراد أن الأم تستحق على الولد الحظ الأوفر من البر ، وتقدَّم
في ذلك على حق الأب عند المزاحمة ، وقال عياض : وذهب الجمهور إلى أن الأم
تفضل في البر على الأب ، وقيل : يكون برهما سواء ، ونقله بعضهم عن مالك
والصواب الأول ." فتح الباري " ( 10 / 402 ) .
قال الشاعر :
لأمك حق لو علمت كبير *** كثيرك يا هذا لديه يسير
فكم ليلةٍ باتت بثقلك تشتكي *** لها من جواها أنةٌ وزفير
وفي الوضع لو تدري عليك مشقةٌ *** فكم غصص منها الفؤاد يطير
وكم غسلت عنك الأذى بيمينها *** ومن ثدييها شربٌ لديك نمير
وكم مرةٍ جاعت وأعطتك قوتها *** حنواً وإشفاقاً وأنت صغير
فضيعتها لما أسنت جهالةً *** وطال عليك الأمر وهو قصير
فآهٍ لذي عقل ويتبع الهوى *** وواهاً لأعمى القلب وهو بصير
فدونك فارغب في عميم دعائها *** فأنت لما تدعو إليه فقير
وعَنْ
عَائِشَةَ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم " نِمْتُ
فَرَأَيْتُنِي فِي الْجَنَّةِ، فَسَمِعَتُ صَوْتَ قَارِئٍ يَقْرَأُ،
فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا ؟ قَالُوا: حَارِثَةُ بْنُ النُّعْمَانِ "، فَقَالَ
رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:" كَذَاكَ الْبِرُّ،كَذَاكَ الْبِرُّ،
كَذَاكَ الْبِرُّ، وَكَانَ أَبَرَّ النَّاسِ بِأُمِّهِ "شعب الإيمان - (10 /
262) (7467 ) صحيح.
والبر بالوالدين وبخاصة الأم يكون في حياتها
بالإحسان والتودد إليها ,حتى لو كانت على غير ملة الإسلام , عَنْ عُرْوَةَ ،
عَنْ أسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْر ٍ. قالت: قَدِمَتْ عَلَيَّ أمِّي وَهيَ
مُشْرِكَةٌ فِي عَهْدِ قُرَيْشٍ إِذْ عَاهَدَهُمْ . فَآسْتَفْتَيْتُ
رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم . فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ الله ، قَدِمَتْ
عَلَيَّ أمِّي وَهِيَ رَاغِبَة أفَأصِلً أمِّي ؟ قال : نَعَمْ ، صِلِي
أُمَّكِ. أخرجه أحمد 6/344 و"البُخَارِي" 3/215 و"مسلم" 3/81 .
وعَنْ
أَبِي كَثِيرٍ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ حَدَّثَنِى أَبُو
هُرَيْرَةَ قَالَ :كُنْتُ أَدْعُو أُمِّى إِلَى الإِسْلاَمِ وَهِىَ
مُشْرِكَةٌ فَدَعَوْتُهَا يَوْمًا فَأَسْمَعَتْنِى فِى رَسُولِ اللهِ صلى
الله عليه وسلم مَا أَكْرَهُ فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم
وَأَنَا أَبْكِى قُلْتُ يَا رَسُولَ اللهِ إِنِّى كُنْتُ أَدْعُو أُمِّى
إِلَى الإِسْلاَمِ فَتَأْبَى عَلَىَّ فَدَعَوْتُهَا الْيَوْمَ
فَأَسْمَعَتْنِى فِيكَ مَا أَكْرَهُ فَادْعُ اللَّهَ أَنْ يَهْدِىَ أُمَّ
أَبِى هُرَيْرَةَ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم اللَّهُمَّ
اهْدِ أُمَّ أَبِى هُرَيْرَةَ . فَخَرَجْتُ مُسْتَبْشِرًا بِدَعْوَةِ
نَبِىِّ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَلَمَّا جِئْتُ فَصِرْتُ إِلَى الْبَابِ
فَإِذَا هُوَ مُجَافٌ فَسَمِعَتْ أُمِّى خَشْفَ قَدَمَىَّ فَقَالَتْ
مَكَانَكَ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ . وَسَمِعْتُ خَضْخَضَةَ الْمَاءِ قَالَ -
فَاغْتَسَلَتْ وَلَبِسَتْ دِرْعَهَا وَعَجِلَتْ عَنْ خِمَارِهَا فَفَتَحَتِ
الْبَابَ ثُمَّ قَالَتْ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ
إِلاَّ اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ - قَالَ -
فَرَجَعْتُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَأَتَيْتُهُ وَأَنَا
أَبْكِى مِنَ الْفَرَحِ - قَالَ - قُلْتُ يَا رَسُولَ اللهِ أَبْشِرْ قَدِ
اسْتَجَابَ اللَّهُ دَعْوَتَكَ وَهَدَى أُمَّ أَبِى هُرَيْرَةَ . فَحَمِدَ
اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَقَالَ خَيْرًا - قَالَ - قُلْتُ يَا رَسُولَ
اللهِ ادْعُ اللَّهَ أَنْ يُحَبِّبَنِى أَنَا وَأُمِّى إِلَى عِبَادِهِ
الْمُؤْمِنِينَ وَيُحَبِّبَهُمْ إِلَيْنَا - قَالَ - فَقَالَ رَسُولُ اللهِ
صلى الله عليه وسلم اللَّهُمَّ حَبِّبْ عُبَيْدَكَ هَذَا - يَعْنِى أَبَا
هُرَيْرَةَ وَأُمَّهُ - إِلَى عِبَادِكَ الْمُؤْمِنِينَ وَحَبِّبْ
إِلَيْهِمُ الْمُؤْمِنِينَ . فَمَا خُلِقَ مُؤْمِنٌ يَسْمَعُ بِى وَلاَ
يَرَانِى إِلاَّ أَحَبَّنِى. أخرجه أحمد 2/319(8242) و"البُخاري" في الأدب
المفرد (34) و"مسلم" 7/165 .
وعَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ جَاهِمَةَ
السَّلَمِيِّ ؛أَنَّ جَاهِمَةَ جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ،
فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللهِ ، أَرَدْتُ أَنْ أَغْزُوَ ، وَقَدْ جِئْتُ
أَسْتَشِيرُكَ ، فَقَالَ : هَلْ لَكَ مِنْ أُمٍّ ؟ قَالَ : نَعَمْ ، قَالَ :
فَالْزَمْهَا ، فَإِنَّ الْجَنَّةَ تَحْتَ رِجْلَيْهَا. أخرجه أحمد
3/429(15623) وابن ماجة( 2781 و"النَّسائي"6/11 ، وفي "الكبرى"4297 .
جاء
في تفسير قوله تعالى : " وإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ
يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا
قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ (67) سورة البقرة
.
إنه كان زمن بني إسرائيل رجل غني وله ابن عم فقير لا وارث له سواه
فلما طال عليه موته قتله ليرثه وحمله إلى قرية أخرى ، وألقاه على بابها ثم
أصبح يطلب ثاره وجاء بناس إلى موسى يدعي عليهم بالقتل ، فجحدوا واشتبه أمر
القتيل على موسى عليه الصلاة والسلام . فسألوا موسى أن يدعو الله ليبين لهم
ما أشكل عليم ، فسأل موسى ربه في ذلك فأمره بذبح بقرة ، وأمره أن يضربه
ببعضها فقال لهم : إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة { قالوا أتتخذنا هزواً }
أي نحن نسألك أمر القتيل ، وأنت تستهزئ بنا وتأمرنا بذبح بقرة وإنما قالوا
ذلك لبعد ما بين الأمرين في الظاهر ، ولم يعلموا ما وجه الحكمة فيه { قال }
يعني موسى { أعوذ بالله } أي أمتنع بالله { أن أكون من الجاهلين } أي
المستهزئين بالمؤمنين وقيل : من الجاهلين بالجواب لا على وفق السؤال فلما
علموا أن ذبح البقرة عزم من الله تعالى استوصفوه إياها ولو أنهم عمدوا إلى
أي بقرة كانت فذبحوها لأجزأت عنهم ولكن شددوا فشدد عليهم وكان في ذلك حكمة
الله عز وجل ، وذلك أنه كان رجل صالح في بني إسرائيل ، وله ابن طفل وله
عجلة فأتى بها غيضة وقال : اللهم إني استودعتك هذه العجلة لابني حتى يكبر
ومات ذلك الرجل ، وصارت العجلة في الغيضة عواناً وكانت تهرب من الناس ،
فلما كبر ذلك الطفل ، وكان باراً بأمه وكان يقسم ليله ثلاثة أجزاء يصلي
ثلثاً وينام ثلثاً ، ويجلس عند رأس أمه ثلثاً فإذا أصبح انطلق فيحتطب ويأتي
به السوق فيبيعه بما يشاء الله فيتصدق بثلثه ويأكل ثلثه ويعطي أمه ثلثه ،
فقالت له أمه يوماً : يا بني إن أباك ورثك عجلة استودعها الله في غيضة كذا
فانطلق وادع إله إبراهيم وإسماعيل وإسحاق أن يردها عليك وعلامتها أنك إذا
نظرت إليها يخيل إليك أن شعاع الشمس يخرج من جلدها ، وكانت تسمى المذهبة
لحسنها وصفرتها ، فأتى الفتى غيضة فرآها ترعى فصاح بها وقال أعزم عليك بإله
إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ، فأقبلت البقرة حتى وقفت بين يديه فقبض على
قرنها يقودها فتكلمت البقرة بإذن الله تعالى ، قالت : أيها الفتى البار
بأمه اركبني فإنه أهون عليك . فقال الفتى : إن أمي لم تأمرني بذلك فقالت
البقرة والله لو ركبتني ما كنت تقدر عليّ أبداً فانطلق فإنك لو أمرت الجبل
أن ينقلع من أصله لانقلع لبرك بأمك فسار الفتى بها إلى أمه فقالت له أمه :
إنك رجل فقير ولا مال لك ويشق عليك الاحتطاب بالنهار والقيام بالليل فانطلق
فبع البقرة ، فقال : بكم أبيعها قالت : بثلاثة دنانير ولا تبع بغير مشورتي
وكان ثمن البقرة ثلاثة دنانير فانطلق بها الفتى إلى السوق ، وبعث الله
ملكاً ليرى خلقه قدرته ، وليختبر الفتى كيف بره بأمه ، وهو أعلم فقاله له
الملك : بكم هذه البقرة؟ قال بثلاثة دنانير ، وأشترط عليك رضى أمي فقاله له
الملك : لك ستة دنانير ولا تستأمر أمك فقال له الفتى لو أعطيتني وزنها
ذهباً لم آخذه إلا برضا أمي .
ورجع الفتى إلى أمه فأخبرها بالثمن فقالت
له : ارجع فبعها بستة دنانير ولا تبعها إلا برضاي فرجع بها إلى السوق وأتى
الملك فقال له : استأمرت أمك فقال الفتى : نعم . إنها أمرتني أن لا نقصها
عن ستة على رضاها . فقال الملك : إني أعطيتك اثني عشر ديناراً ولا تستأمرها
فأبى الفتى ورجع إلى أمه فأخبرها بذلك فقالت له أمه : إن الذي يأتيك ملك
في صورة آدمي ليجزيك ، فإذا أتاك فقل له : أتأمرنا أن نبيع هذه البقرة أم
لا ففعل فقاله له الملك : اذهب إلى أمك فقل لها أمسكي هذه البقرة فإن موسى
بن عمران يشتريها منك لقتيل يقتل في بني إسرائيل ، فلا تبعها إلا بملء
مسكها ذهباً والمسك الجلد فأمسكتها وقدر الله على بني إسرائيل ذبح البقرة
بعينها ، فما زالوا يستوصفون البقرة حتى وصفت لهم تلك البقرة بعينها مكافأة
بذلك الفتى على بره بأمه فضلاً من الله تعالى ورحمة . تفسير الخازن 1/245 .
يروي
الإمام اللالكائي في كتابة "شرح السنة" وغنجار في "تاريخ بخاري" هذه
القصة:كان البخاري قد ذهبت عيناه في صغره , فرأت والدته الخليل إبراهيم
عليه السلام في المنام فقال لها : يا هذه رد الله على ابنك بصره بكثرة
دعائك , قال : فأصبح وقد رد الله عليه بصره.
ذُكر أنّ رجلاً مسرفًا على
نفسه يلهو ويعبث ويفعل ما حرّم الله كان له أمّ صالحة تأمره بترك ذلك
وتنصحه بسلوك طريق التوبة وهو لا يلتفت لنصحها إلى أن مرض مرضًا أضجعه، وهو
على فراش الموت قال لأمّه: يا أمّاه إذا أنا متّ فاتبعيني إلى قبري فإذا
وضعوني فيه انزلي أنت أيضًا فيه ثم ضعي قدمك على رقبتي وقولي يا ربّ إني قد
رضيت عنه فأرضى اللهمّ عنه. فلمّا توفّي لم تجد من يقوم معها بتهيئة
الجنازة فغسّلته وكفّنته ثمّ استأجرت أربعة رجال للصلاة عليه ودفنه ثمّ
خرجت الجنازة من البيت ولم يخرج معها إلا الأربعة الذين استأجرتهم وهذه
الأمّ الحزينة على ولدها. فرأى الجنازة عالم من العلماء استغرب أمرها فلحق
بها ليعرف من هذا الذي لم يهتمّ بجنازته إلا القليل وخلفه امرأة فإذا به
يلمح الأمّ قد نزلت في القبر كما أوصى ولدها ووضعت قدمها على رقبته وقالت:
اللهمّ إني قد رضيت عنه فارضى اللهمّ عنه. ثم انصرفت وبقي العالم عند القبر
فسمع صوتًا من القبر يقول: إن الله قد رضي عنه برضائك عنه.
ولقد ضرب
لنا السلف الصالح رضوان الله عليهم صوراً رائعة في برهم بأمهاتهم , من ذلك
ما روي من أن أنس بن النضر الاشجعي قال : استقت - أي طلبت - أم ابن مسعود
ماء في بعض الليالي , فجاءها بالماء فوجدها قد ذهب بها النوم , فثبت بالماء
عند رأسها حتى أصبح.
عن محمد بن النكدر أنه كان يضع خده على الأرض ثم يقول لامه : قومي ضعي قدمك على خدي .
وقال
الخنسي سمعت أبا بكر يقول : كنت مع منصور بن المعتمر جالسا في منزله فتصيح
به أمه، وكانت فظة عليه، فتقول: يا منصور يريدك ابن هبيرة على القضاء
فيأبى!، وهو واضع لحيته على صدره ما يرفع إليها .
وأراد ابن الحسن التميمي قتل عقرب،فدخلت في جحر فأدخل أصابعه خلفها , فلدغته , فقيل له ! قال : خفت أن تخرج فتجئ إلى أمي تلدغها .
وكان
زين العابدين كثير البر بأمه , حتى قيل له :إنك ابر الناس بأمك , ولسنا
نراك تأكل معها في صحفة ! فقال : أخاف أن تسبق يدي إلى ما سبقت إليه عينها ,
فأكون قد عققتها .
وكان طلق بن حبيب يقبل رأس أمه، وكان لا يمشي فوق ظهر بيتٍ هي تحته إجلالاً لها.
وكان
لـمسعر بن كدام له أمٌ عابدة، كان يحمل لها اللبد إلى المسجد، فيدخله،
ويبسطه، ويصلي عليه، ثم يتقدم هو لمقدمة المسجد يصلي، ثم يقعد ويجتمع الناس
فيحدثهم، وهو شيخ عالم معروف، ثم بعد ذلك ينتهي مجلس الحديث، فيقوم فيطوي
لبدة أمه ويرافقها إلى البيت.
وها هو حيوة بن شريح من كبار العلماء،كان
يقعد في حلقة الدرس يعلم الناس، وعند مضي بعض الوقت تأتي أمه وتقول: يا
حيوة ! قم ألقِ الشعير للدجاج، فيقوم ويقطع الدرس! الشيخ العالم الكبير
حيوة يقطع الدرس وهو يدرس الطلاب؛ ليضع الشعير للدجاج، ثم يرجع يكمل الدرس،
وهكذا.
فلقد علموا أن الجنة تحت أقدام الأمهات , وأن دعاء الأم ليس
بينه وبين الله حجاب , , فعَنْ مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ :لَمْ يَتَكَلَّمْ
فِى الْمَهْدِ إِلاَّ ثَلاَثَةٌ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَصَاحِبُ جُرَيْجٍ
وَكَانَ جُرَيْجٌ رَجُلاً عَابِدًا فَاتَّخَذَ صَوْمَعَةً فَكَانَ فِيهَا
فَأَتَتْهُ أُمُّهُ وَهُوَ يُصَلِّى فَقَالَتْ يَا جُرَيْجُ . فَقَالَ يَا
رَبِّ أُمِّى وَصَلاَتِى . فَأَقْبَلَ عَلَى صَلاَتِهِ فَانْصَرَفَتْ
فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْغَدِ أَتَتْهُ وَهُوَ يُصَلِّى فَقَالَتْ يَا
جُرَيْجُ فَقَالَ يَا رَبِّ أُمِّى وَصَلاَتِى فَأَقْبَلَ عَلَى صَلاَتِهِ
فَانْصَرَفَتْ فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْغَدِ أَتَتْهُ وَهُوَ يُصَلِّى
فَقَالَتْ يَا جُرَيْجُ . فَقَالَ أَىْ رَبِّ أُمِّى وَصَلاَتِى .
فَأَقْبَلَ عَلَى صَلاَتِهِ فَقَالَتِ اللَّهُمَّ لاَ تُمِتْهُ حَتَّى
يَنْظُرَ إِلَى وُجُوهِ الْمُومِسَاتِ . فَتَذَاكَرَ بَنُو إِسْرَائِيلَ
جُرَيْجًا وَعِبَادَتَهُ وَكَانَتِ امْرَأَةٌ بَغِىٌّ يُتَمَثَّلُ
بِحُسْنِهَا فَقَالَتْ إِنْ شِئْتُمْ لأَفْتِنَنَّهُ لَكُمْ قَالَ
فَتَعَرَّضَتْ لَهُ فَلَمْ يَلْتَفِتْ إِلَيْهَا فَأَتَتْ رَاعِيًا كَانَ
يَأْوِى إِلَى صَوْمَعَتِهِ فَأَمْكَنَتْهُ مِنْ نَفْسِهَا فَوَقَعَ
عَلَيْهَا فَحَمَلَتْ فَلَمَّا وَلَدَتْ قَالَتْ هُوَ مِنْ جُرَيْجٍ .
فَأَتَوْهُ فَاسْتَنْزَلُوهُ وَهَدَمُوا صَوْمَعَتَهُ وَجَعَلُوا
يَضْرِبُونَهُ فَقَالَ مَا شَأْنُكُمْ قَالُوا زَنَيْتَ بِهَذِهِ
الْبَغِىِّ فَوَلَدَتْ مِنْكَ . فَقَالَ أَيْنَ الصَّبِىُّ فَجَاءُوا بِهِ
فَقَالَ دَعُونِى حَتَّى أُصَلِّىَ فَصَلَّى فَلَمَّا انْصَرَفَ أَتَى
الصَّبِىَّ فَطَعَنَ فِى بَطْنِهِ وَقَالَ يَا غُلاَمُ مَنْ أَبُوكَ قَالَ
فُلاَنٌ الرَّاعِى قَالَ فَأَقْبَلُوا عَلَى جُرَيْجٍ يُقَبِّلُونَهُ
وَيَتَمَسَّحُونَ بِهِ وَقَالُوا نَبْنِى لَكَ صَوْمَعَتَكَ مِنْ ذَهَبٍ .
قَالَ لاَ أَعِيدُوهَا مِنْ طِينٍ كَمَا كَانَتْ . فَفَعَلُوا . أخرجه أحمد
2/307(8057) و"البُخاري" 3/179(2482) و"مسلم" 8/4 .
يقول الشاعر :
من غيــــر علم تنطقين بحكمــــــة * * * كالـــوحي كالإلهام ينطـــق هاديا
للأم إلهام عجيب كاشــــــــــــــــف * * * للغيب يطلع الأمور كمــــــــا هي
إلهامها وحــــى الإله لروحهـــــــا * * * تلقاه في الظلمات يهدى الساريا
يامن يفاخـــر بالعلوم وفضلهــــــا * * * ويرى لها النور المبين الزاهيــا
العلم ليس من المدارس وحدهــــا * * * خذ من حنان الأم علما صافيــــاَ
علم بالأقـــلام يـــخط وحكمــــــــة * * * خشع الزمان لها وأنصت واعياَ
وتقول الشاعرة روحية القليني :
يا من وهبت لنا الحياة أمـــومة * * * ممزجة بالعطف والرحمــــــات
وبحكم القرآن توحــــي دائــــماً * * * بالأم أفديــــها وأبـــــــذل ذاتي
وأصونها في مقلتي من الردى * * * وأطيعها في الجهر والخطوات
لو لم تكن ربى وسر هدايتــــي* * * لعبدت أمي هي نور حيـــــاتي
لكنني يــــارب مؤمنـــــــة بمن * * * خلق الحيــــاة وأنزل الآيـــــات
وتذكر
الوالدين وبخاصة الأم بعد وفاتها والدعاء والاستغفار لها يعد صورة من صور
البر التي أمرنا الإسلام بها , قال تعالى : " وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا
تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا
يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ
لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا (23)
وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ
ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا (24) سورة الإسراء .
ولقد ضرب
لنا النبي صلى الله عليه وسلم مثالاً عملياً على ذلك , فها هو عليه الصلاة
والسلام يتذكر أمه ويزور قبرها بعد وفاتها بعد أكثر من خمسين سنة من رحيلها
, فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه ،قَالَ:زَارَ النَّبِيُّ صلى الله
عليه وسلم قَبْرَ أُمِّهِ،فَبَكَى وَأَبْكَى مَنْ حَوْلَهُ،ثُمَّ
قَالَ:اسْتَأْذَنْتُ رَبِّي أَنْ أَزُورَ قَبْرَهَا فَأَذِنَ
لِي،فَاسْتَأْذَنَتْهُ أَنْ أَسْتَغْفِرَ لَهَا،فَلَمْ يَأْذَنْ
لِي،فَزُورُوَا الْقُبُورَ فَإِنَّهَا تُذَكِّرُكُمُ الْمَوْتَ. صحيح مسلم
(2304 ) وصحيح ابن حبان - (7 / 440) (3169) .
وعَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ
بُرَيْدَةَ،عَنْ أَبِيهِ،قَالَ:انْتَهَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم
إِلَى رَسْمِ قَبْرٍ فَجَلَسَ،وَجَلَسَ النَّاسُ حَوْلَهُ كَثِيرٌ،فَجَعَلَ
يُحَرِّكُ رَأْسَهُ كَالْمُخَاطِبِ.قَالَ:ثُمَّ بَكَى،فَاسْتَقْبَلَهُ
عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ،فَقَالَ:مَا يُبْكِيكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟
قَالَ:" هَذَا قَبْرُ آمِنَةَ بِنْتِ وَهْبٍ،اسْتَأْذَنْتُ رَبِّي فِي
أَنْ أَزُورَ قَبْرَهَا فَأَذِنَ لِي،وَاسْتَأْذَنْتُهُ فِي
الِاسْتِغْفَارِ لَهَا فَأَبَى عَلَيَّ،وَأَدْرَكَتْنِي رِقَّتُهَا
فَبَكَيْتُ " قَالَ:فَمَا رَأَيْتُ سَاعَةً أَكْثَرَ بَاكِيًا مِنْ تِلْكَ
السَّاعَةِ ". دَلَائِلُ النُّبُوَّةِ لِلْبَيْهَقِيِّ (101 ) صحيح.
قَالَ
الْقَاضِي:بُكَاؤُهُ صلى الله عليه وسلم عَلَى مَا فَاتَهَا مِنْ إِدْرَاك
أَيَّامه،وَالْإِيمَان بِهِ . شرح النووي على مسلم - (3 / 403) .
بل
كان صلى الله عليه وسلم باراً بمن تولت تربيته ورعايته بعد أمه ووجد عنها
حنان الأمومة الذي افتقده , وهي أم أيمن رضي الله عنها فاعتبرها أما لها
وبكى عليها كما بكى على أمه , عن على قال : لما ماتت فاطمة بنت أسد بن هاشم
( أم أيمن ) كفنها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في قميصه وصلى عليها
فكبر عليها سبعين تكبيرة ونزل في قبرها فجعل يومي في نواحي القبر كأنه
يوسعه ويسوى عليها وخرج من قبرها وعيناه تذرفان وحثا في قبرها فلما ذهب قال
له عمر بن الخطاب يا رسول الله رأيتك فعلت على هذه المرأة شيئا لم تفعله
على أحد فقال يا عمر هذه المرأة كانت أمي بعد أمي التى ولدتني إن أبا طالب
كان يصنع الصنيع ويكون له المأدبة وكان يجمعنا على طعامه فكانت هذه المرأة
تفضل منه كله نصيبا فأعود فيه وإن جبريل أخبرني عن ربى أنها من أهل الجنة
وأخبرني جبريل أن الله أمر سبعين ألفا من الملائكة يصلون عليها . أخرجه
الحاكم (3/116 ، رقم 4574) و الطبراني (24/351 ، رقم 871) ، وأبو نعيم في
الحلية (3/121) . وأخرجه أيضًا : الطبراني في الأوسط (1/67 ، رقم 189) .
قال الهيثمى (9/257) : فيه روح بن صلاح وثقه ابن حبان والحاكم وفيه ضعف
وبقية رجاله رجال الصحيح .
وصور البر للأم بعد الموت متعددة , فعَنْ
سُلَيْمَانَ بْنِ بُرَيْدَةَ ، عَنْ أَبِيهِ ؛أَنَّ امْرَأَةً أَتَتِ
النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم ، فَقَالَتْ : يَا رَسُولَ اللهِ ، إِنِّي
تَصَدَّقْتُ عَلَى أُمِّي بِجَارِيَةٍ فَمَاتَتْ ، وَإِنَّهَا رَجَعَتْ
إِلَيَّ فِي الْمِيرَاثِ ؟ قَالَ : قَدْ آجَرَكِ اللهُ ، وَرَدَّ عَلَيْكِ
فِي الْمِيرَاثِ.قَالَتْ : فَإِنَّ أُمِّي مَاتَتْ وَلَمْ تَحُجَّ ،
فَيُجْزِئُهَا أَنْ أَحُجَّ عَنْهَا ؟ قَالَ : نَعَمْ.قَالَتْ : فَإِنَّ
أُمِّي كَانَ عَلَيْهَا صَوْمُ شَهْرٍ ، فَيُجْزِئُهَا أَنْ أَصُومَ
عَنْهَا ؟ قَالَ : نَعَمْ. أخرجه أحمد 5/349(23344. ومُسْلم 3/157(2671)
و"النَّسائي" ، في "الكبرى" 6280.
إن تذكرنا للأم تذكر لمحضن طفولتنا .. تذكرنا للمدرسة الأولى التي تعلمنا فيها معاني الحب والعطاء .
الأمُّ مدرسـةٌ إذا أعـددتهـا * * * أعددتَ شعباً طيّب الأعراقِ
الأمُّ روضٌٌ إنْ تعهّـدهُ الحَيا * * *بالرَّيِّ أورقَ أيّما إيـراق
يقول الشاعر اليمنى ( البرد ونى ) في رثاء أمه:
أين منى ظلها الحانـــــي وقـــــد * * * ذهبت عنـــى إلى غيــــر إيـــاب
سحبت أيامها الجرحــــى علـــى * * * لفحـــة البيـــد وأشــــواك الهضاب
ومضت في طريق العمر فمـــــن * * * مســلك رحب إلى دنيـــــــا صعـاب
وانتهت حيث انتهى الشوط بـها* * * فاطمأنت تحــــت أستار الغيـــاب
آه يا أمي وأشـــــــواك الأســـى * * * تلهب الأوجاع في قلبــــــي المذاب
فيك ودعت شبـــابي والصبـــــا * * * وانطوت خلفي حلاوات التصــابي
كيف أنساك وذكـــــراك علـــــى * * * سفـــر أيامي كتـاب في كـاب
إن ذكـــراك ورائـــــي وعلـــــى * * * وجهتي حيث مجيئـــــي وذهـــابي
وعن
عثمان بن سودة، وكانت أمه من العابدات يقال لها: راهبة، قال: فلما احتضرت
رفعت رأسها إلى السماء، فقالت: يا ذخري وذخيرتي عند الموت، لا توحشني في
قبري.قال: فماتت، كنت آتيها عند القبر كل جمعة أدعو لها، وأستغفر لها ولأهل
القبور. فرأيتها ذات ليلة في منامي، فقلت: يا أماه، كيف أنت؟ قالت: يا بني
أن للموت لكربة شديدة، وأنا بحمد في برزخ محمود، نفترش فيه الريحان،
ونتوسد السندس والإستبرق إلى يوم النشور.قلت: ألك حاجة؟ قالت: نعم، لا تدع
ما أنت عليه من زيارتنا والدعاء لنا، فإني لأبشر بمجيئك يوم الجمعة إذا
أقبلت، يقال: يا راهبة هذا ابنك قد أقبل من أهله زائراً لك، فأسر بذلك،
ويسر به من حولي من الأموات. ابن الجوزي : بر الوالدين 10.
قال الدكتور مانع سعيد العتيبة :
الدهر بالبشر ارتسم * * * والسعد في وجهي ارتسم
لما رأيتك وانجلى * * * يا أم عني كل هم
وأضاء نورك مهجتي * * * وانزاح ديجور الظلم
والروح راحت ترتقي * * * بصفائها أعلى القمم
أمي نداء محبة * * * بل إن كل الحب أم
فإذا كتبت حروفه * * * فاض الضياء من القلم
الأم أول كلمة * * * رسمت على شفة وفم
والله كرم ذكرها * * * بين القبائل والأمم
نزلت بها آياته * * * وببرها المولى حكم
فاللهم
اجعلنا من البارين بوالديهم , وارزقنا اللهم رضاهم , اللهم اغفر لهما كما
ربياني صغيرا , وعلماني كبيرا انا عارفه انه الموضوووع طويل بس امانه تقرأو
كله ..
لانه موضوع بحق الكلمه وارجو التثبيت...